البداية التي تصنع الفرق

  • الرئيسية
  • المدونة
  • فهم التحديات البنيوية للريادة الاجتماعية في السعودية: التمويل، الاستدامة، والقياس
١٥ أكتوبر ٢٠٢٥

فهم التحديات البنيوية للريادة الاجتماعية في السعودية: التمويل، الاستدامة، والقياس

استكشف في هذا المقال من أروقة الريادة أبرز التحديات البنيوية التي تواجه الريادة الاجتماعية في السعودية والعالم، من التمويل إلى الاستدامة وقياس الأثر، وحلول عملية لبناء مؤسسات مؤثرة ومستدامة.


في عالم الريادة الاجتماعية لا تكفي الفكرة الجيدة وحدها. فالانتقال من المبادرة إلى المؤسسة المستدامة يحتاج إلى بيئة تمكّن النمو، وتشريعات مرنة، وتمويل يوازن بين العائد والأثر. الريادة الاجتماعية تمثّل اليوم مسارًا اقتصاديًا واجتماعيًا متكاملاً يهدف إلى تحقيق قيمة مجتمعية قابلة للقياس والنمو. ومع ذلك، تواجه المؤسسات العاملة في هذا المجال ثلاثة تحديات بنيوية رئيسة: التمويل، والاستدامة، والقياس. 

 

التمويل في الريادة الاجتماعية: بين المنح والاستثمار 

تشير الدراسات الدولية  إلى أن المؤسسات الاجتماعية تواجه ما يُعرف بـ"التمويل الرمادي"، غياب قنوات تمويل مخصصة لهذا القطاع. فهي لا تجذب الكثير من المستثمرين التجاريين بسبب محدودية العائد المالي، ولا تندرج ضمن آليات التبرعات التقليدية لأنها تسعى إلى تحقيق الاستدامة لا المساعدة الآنية. 

ولمواجهة هذا التحدي، ظهرت أدوات تمويل مبتكرة، أبرزها: 

  • التمويل الممزوج (Blended Finance): يجمع بين رأس المال الخاص والمنح العامة لتقليل المخاطر. 
  • الاستثمار المؤثر (Impact Investing): يوجّه الأموال نحو مشاريع تثبت أثرها الاجتماعي القابل للقياس. 
  • القروض ذات الحوافز الاجتماعية: تربط تكلفة التمويل بمستوى الأثر المتحقق. 

هذه الأدوات تُعيد تعريف العلاقة بين التمويل والأثر الاجتماعي، وتشكل خطوة نحو منظومة تمويل مستدام للمؤسسات الاجتماعية. 

 

الاستدامة المؤسسية: النمو دون فقدان الهوية 

تحقيق الاستدامة في الريادة الاجتماعية يعني التوسع في الأثر مع الحفاظ على الغاية الأساسية للمؤسسة. كثير من المشاريع الاجتماعية تنحرف عن مسارها حين يطغى النمو المالي على القيمة المجتمعية، أو العكس. ولتفادي ذلك، توصي الدراسات المتخصصة بعدة ممارسات: 

  • ميثاق أثر داخلي يدمج الأهداف الاجتماعية في الحوكمة المؤسسية. 
  • حوكمة تشاركية تُشرك المستفيدين في المتابعة والتقييم. 
  • فصل مؤشرات الأداء المالي والاجتماعي لتحقيق توازن واقعي وشفافية في التقارير. 

فالاستدامة لا تُقاس بالبقاء فقط، بل بقدرة المؤسسة على الحفاظ على بوصلتها القيمية في كل مرحلة من مراحل النمو. 

 

قياس الأثر الاجتماعي: من المبادرة إلى الدليل 

يُعد قياس الأثر الاجتماعي من الركائز الأساسية لتمويل واستدامة المؤسسات الاجتماعية. وتُظهر العديد من الدراسات أن كثيرًا من المؤسسات تواجه تحديات في بناء مؤشرات دقيقة وموحدة لقياس أثرها. 

من أبرز الأطر العالمية في هذا المجال: 

  • SROI  (العائد الاجتماعي على الاستثمار) لقياس القيمة الاجتماعية بالأرقام. 
  • إطار IRIS+ لتوحيد مؤشرات الأثر. 
  • نظام GIIRS لتقييم الأداء الشامل للمؤسسات المؤثرة. 

تبنّي هذه الأدوات يعزز مصداقية المؤسسة أمام المستثمرين والجهات الداعمة، لكنه يتطلب قدرات تحليلية وشراكات موثوقة لتوفير البيانات اللازمة. 

 

البيئة التنظيمية: الحاجة إلى إطار داعم 

تواجه المؤسسات الاجتماعية في كثير من الدول التباسًا قانونيًا بين النظامين التجاري وغير الربحي، ما يحدّ من نموها واستدامتها. وتوصي (OECD) بإنشاء تصنيف قانوني خاص يمنح هذه المؤسسات وضعًا قانونيًا مستقلًا ومزايا ضريبية وتعاقدية تتناسب مع طبيعتها الهجينة. وقد أثبتت تجارب بريطانيا وكندا أن الإطار القانوني المخصص عزز نمو قطاع الريادة الاجتماعية بصورة واضحة. 

 

الريادة الاجتماعية في السعودية: واقع متطور وفرص واعدة 

تشهد الريادة الاجتماعية في السعودية تحولًا متسارعًا بدعم من رؤية 2030 التي وضعت أسسًا لاقتصاد متنوع ومستدام. 
ومن أبرز المبادرات الوطنية التي أسهمت في دعم هذا القطاع مسرّعات الأثر الاجتماعي التي تنفذها الوزارات والهيئات الحكومية المختلفة بالإضافة إلى مسرعات الأثر في الجامعات ومراكز الابتكار. 

ورغم التقدم الملحوظ، لا تزال هناك حاجة إلى تطوير تشريعات وتمويلات مخصصة للمشاريع ذات الأثر الاجتماعي الواضح. ومن هنا يبرز دورنا في أروقة الريادة في المساهماة في بناء نماذج استشارية ومنهجيات قياس تدعم المؤسسات المحلية في تحويل الأثر إلى قيمة اقتصادية قابلة للاستثمار. 

تمثل الريادة الاجتماعية في السعودية الجسر بين الاقتصاد والمجتمع، وبين النمو المالي والأثر الإنساني. 
والتحديات البنيوية الثلاثة، التمويل، والاستدامة، والقياس، ليست عوائق، بل محركات تطوير تُظهر مدى جاهزية المؤسسات للتحول والاستمرار. وكلما كانت المعالجة علمية ومنهجية، كان الأثر أعمق وأكثر استدامة. 

أروقة البداية والنهاية

نسير بثبات نحو المستقبل عبر أروقة العمل الجاد والطموح الذي لا يعرف حدودًا..
نزرع الأثر ليبقى، ونستكشف الآفاق الواعدة لنكتشف فرصًا تعود بالنفع على الإنسانية جمعًا.
هنا، حيث يبدأ الأمل، ولا تنتهي المسيرة!

تواصل معنا الآن
Logo