البداية التي تصنع الفرق

٢٨ فبراير ٢٠٢٥

ريادة الأعمال الاجتماعية : من الهامش إلى قلب الاقتصاد العالمي

نظرة شاملة على تطور الريادة الاجتماعية عالميًا ودورها في تحويل الابتكار إلى قيمة اقتصادية واجتماعية مستدامة تعيد تعريف التنمية.


على مدار عقود طويلة، نشأت المبادرات الاجتماعية غالبًا كمحاولات فردية أو جماعية خارج التصنيفات الاقتصادية التقليدية. كانت تبدو كجهود خيريّة معزولة، أو مبادرات تطوعية محدودة الأثر. لكن المشهد تغيّر جذريًا مع دخول مفهوم ريادة الأعمال الاجتماعية (Social Entrepreneurship)  إلى قاموس الاقتصاد العالمي، ليصبح اليوم أداة استراتيجية تُعيد تعريف القوة الاقتصادية والاجتماعية في المجتمعات.

 

البداية: كيف وُلد المفهوم؟ 

يمكن القول إن البداية الحديثة للريادة الاجتماعية ارتبطت بتجارب مثل بنك جرامين في بنغلاديش، الذي أسسه محمد يونس في السبعينيات، ليقدّم التمويل الصغير للفقراء دون ضمانات، ويُظهر أن الفقراء، وخصوصًا الفئات الأشد احتياجاً، ليسوا عبئًا اقتصاديًا بل شركاء محتملين في النمو والتمكين الاقتصادي.

لاحقًا، في الثمانينات، تأسست منظمة أشوكا (Ashoka) التي أحدثت نقلة نوعية. فقد أطلقت مفهوم "الريادي الاجتماعي" رسميًا، وقدّمت زمالات ودعمًا ماليًا واستشاريًا لأصحاب أفكار الابتكار الاجتماعي، فتكوّنت شبكة عالمية لأصحاب الحلول الاجتماعية المؤثرة.

 

نماذج دولية بارزة 

اليوم، تتنوّع نماذج دعم الاستثمار الاجتماعي والريادة الاجتماعية عالميًا:

·      أشوكا Ashoka: تركز على اكتشاف الرياديين الاجتماعيين في مراحل مبكرة جدًا، وتمنحهم زمالة ثلاث سنوات وشبكة علاقات دولية، ليتمكنوا من تحويل أفكارهم إلى واقع.

·      إيكوينغ غرين Echoing Green: تتبنى فلسفة الاستثمار المؤثر عالي المخاطرة في الأفكار الجديدة، وتقدم تمويلاً أوليًا وزمالة لمدة سنتين.

·      سكول Skoll Foundation: تركز على المشاريع التي أثبتت نجاحها وتستعد للتوسع، وتقدّم دعماً ماليًا واستراتيجياً كبيراً، بجانب بناء تحالفات دولية.

·      شفاب Schwab Foundation: تعمل على إبراز القادة الاجتماعيين وربطهم بصنّاع القرار، خصوصاً من خلال المنتدى الاقتصادي العالمي، رغم أنها لا تقدم تمويلاً مباشراً.

 

التحديات أمام ريادة الأعمال الاجتماعية

رغم قصص النجاح، تواجه ريادة الأعمال الاجتماعية عدة تحديات جوهرية:

  • صعوبة الوصول إلى التمويل المؤثر المناسب. كثير من المبادرات تتعثر في مراحل مبكرة بسبب غياب مستثمرين مستعدين لتحمّل المخاطرة.
  • غياب الشفافية في معايير الاختيار. بعض المنظمات الدولية لا توضح شروط الدعم، مما يصيب الرياديين بالإحباط.
  • التوازن بين الربح والأثر الاجتماعي. هل نُعطي الأولوية لفكرة المشروع، أم للشخص الريادي؟ وكيف نوازن بين الأثر والربحية؟

 

ما الذي يحمله المستقبل؟

يتوقع الخبراء أن مستقبل ريادة الأعمال الاجتماعية يكمن في:

  • الابتكار الاجتماعي المحلي: التنقيب الذكي عن الحلول في المجتمعات الهشة، وتوظيف شراكات محلية لفهم السياق.
  • التحول التقني: توظيف التقنيات الرقمية كأدوات لزيادة الأثر، سواء في جمع البيانات، أو تتبع نتائج المشاريع.
  • تصميم دعم مرن مخصص لكل بيئة: لا توجد وصفة واحدة للجميع، بل يجب أن يتلاءم الدعم مع القطاع والسياق.
  • بناء أنظمة شفافة لتقييم الأثر: حتى يعرف الريادي الاجتماعي بدقة ما يُتوقع منه، وكيف يُقاس نجاحه.

 

ريادة الأعمال الاجتماعية في السياق السعودي والعربي

 

في السعودية والمنطقة العربية، تزداد الحاجة إلى ريادة الأعمال الاجتماعية كوسيلة لتحقيق مستهدفات مثل رؤية السعودية 2030، التي وضعت المسؤولية المجتمعية والابتكار الاجتماعي ضمن أولوياتها الاقتصادية. الريادة الاجتماعية تُعد أداة قوية للربط بين الاستثمار الاجتماعي والقطاعات غير الربحية، خاصة إذا تم تفعيل بيئة تشريعية وتمويلية حاضنة.

ريادة الأعمال الاجتماعية لم تعد هواية أو نشاطًا طوعيًا. إنها اليوم خطوة استراتيجية لإعادة توزيع القوة، وتحقيق التمكين الاقتصادي للفئات الأقل حظًا، وتوسيع مفهوم القيمة الاقتصادية ليشمل الإنسان والبيئة، لا الربح فقط. ما ينقصنا ليس الأفكار والمبادرات، بل إلى تشريعات تطورها وتُعاملها كجزء أصيل من الاقتصاد الجديد القائم على الاستثمار المؤثر والتحول التقني.

 

أروقة البداية والنهاية

نسير بثبات نحو المستقبل عبر أروقة العمل الجاد والطموح الذي لا يعرف حدودًا..
نزرع الأثر ليبقى، ونستكشف الآفاق الواعدة لنكتشف فرصًا تعود بالنفع على الإنسانية جمعًا.
هنا، حيث يبدأ الأمل، ولا تنتهي المسيرة!

تواصل معنا الآن
Logo