تمكين المرأة من الحضور الرمزي إلى المشاركة الاقتصادية
تمكين المرأة في السعودية تجاوز مرحلة المطالبة بالحقوق ليصبح ركيزة في رؤية 2030، محققًا قفزات في المشاركة الاقتصادية والتعليم والقيادة، ومؤكدًا دورها كمحرّك رئيسي للنمو المستدام.
في العقود الماضية، ارتبطت قضايا المرأة في الوعي العام بمفاهيم المساواة القانونية والحصول على الحقوق الأساسية. لكن خلال السنوات الأخيرة، تحوّل المفهوم عالميًا من مجرد مطالبات إلى سياسات تنموية شاملة، ترى في تمكين المرأة مسارًا استراتيجيًا لزيادة الإنتاجية، وتحسين تنافسية الاقتصاد، وتعزيز التماسك الاجتماعي. في السعودية، هذا التحول لم يكن هامشيًا، بل جاء مدمجًا في رؤية 2030 كجزء من إعادة تشكيل بنية الاقتصاد الوطني.
تمكين المرأة هو عملية متكاملة تهدف إلى إزالة الحواجز أمام مشاركتها الكاملة في جميع المجالات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وتزويدها بالمهارات والموارد اللازمة لتكون فاعلة في صناعة القرار.
يمكن تقسيم هذا التعريف إلى ثلاثة أبعاد رئيسية:
1. المشاركة الاقتصادية الفاعلة
انتقال المرأة من أدوار تقليدية إلى مواقع مؤثرة في الاقتصاد، سواء عبر تولي المناصب القيادية أو تأسيس المشاريع الخاصة. هذا البعد يركز على تمكين المرأة من الدخول في القطاعات ذات القيمة المضافة العالية، وعدم حصر مشاركتها في مجالات تقليدية.
2. التعليم النوعي الموجه
إتاحة الفرص التعليمية في مجالات عالية الطلب مثل الهندسة، علوم البيانات، الذكاء الاصطناعي، والطاقة المتجددة. هذه الخطوة تحوّل المرأة من مجرد قوة عاملة إضافية إلى رافعة للابتكار.
3. التمثيل في صنع القرار
ضمان حضور النساء في مواقع صياغة السياسات، سواء في القطاع الحكومي أو في مجالس إدارة الشركات الكبرى، بما يضمن أن تكون القرارات الاقتصادية والاجتماعية شاملة لمصالح جميع الفئات.
إنجازات سعودية ملموسة
البيانات الرسمية توضح حجم التقدم المحقق:
- ارتفعت نسبة مشاركة المرأة السعودية في سوق العمل من 17.4% عام 2017 إلى 36% في 2023، متجاوزة الهدف المحدد في رؤية 2030 قبل موعده.
- بلغت نسبة النساء في وظائف الخدمة المدنية 41.15%، وهي من الأعلى في المنطقة.
- انخفض معدل البطالة بين السعوديات إلى 11.9% في نهاية 2024.
هذه المؤشرات ليست أرقامًا معزولة، بل تعكس تحوّلًا في مواقف المجتمع، وسياسات الدولة، واهتمام القطاع الخاص بالاستفادة من الكفاءات النسائية.
المبادرات الداعمة للتمكين
برنامج قُرّة
يوفر دعمًا ماليًا لرعاية أطفال العاملات في القطاع الخاص، مما يزيل واحدة من أكبر العقبات أمام استمرار المرأة في العمل.
برنامج وصول
يقدم دعمًا يصل إلى 80% من تكاليف النقل للموظفات، مما يسهّل الوصول إلى أماكن العمل، خصوصًا في المدن ذات الامتداد الجغرافي الواسع.
SDAIA Elevate
مبادرة نوعية من الهيئة السعودية للبيانات والذكاء الاصطناعي، درّبت أكثر من 25 ألف امرأة على مهارات الذكاء الاصطناعي وتحليل البيانات، ما يضع المرأة في قلب اقتصاد المستقبل.
الأثر الاقتصادي لتمكين المرأة
تشير دراسات البنك الدولي إلى أن زيادة مشاركة النساء في القوى العاملة بنسبة 25% يمكن أن تضيف 28 تريليون دولار إلى الناتج المحلي العالمي بحلول 2025.
في السعودية، تؤكد الأبحاث المحلية أن دمج المرأة في القطاعات الإنتاجية يسهم في تحسين إنتاجية العمل، وتوسيع قاعدة الاستهلاك، وزيادة معدلات الادخار والاستثمار.
قصة نجاح سعودية: ديمة اليحيى
رائدة أعمال وقيادية في قطاع التقنية، أسست منصة Women Spark لتدريب النساء ودعمهن في إنشاء مشاريع تقنية، وقدمت برامج تدريبية لأكثر من 26 ألف سيدة.
عملت في مناصب قيادية في مايكروسوفت السعودية، مؤسسة مسك، ووزارة الاتصالات، وتشغل حاليًا منصب الأمين العام لمنظمة التعاون الرقمي، حيث تقود جهودًا إقليمية ودولية لتمكين المرأة رقميًا، وتقليص الفجوة بين الجنسين في الوصول إلى التقنيات الحديثة.
توصيات لتعزيز التمكين
- زيادة الشراكات بين القطاعين العام والخاص لتوفير فرص عمل نوعية للنساء.
- تطوير برامج تمويلية موجهة لرائدات الأعمال في القطاعات التقنية والصناعية.
- إدماج الثقافة الاقتصادية والمهارات المالية في المناهج الدراسية للفتيات منذ المراحل المبكرة.
تمكين المرأة في السعودية تجاوز مرحلة الرمزية ليتحول إلى عنصر أساسي في صياغة المستقبل الاقتصادي. ما يحدث اليوم ليس فقط إعادة توزيع للفرص، بل إعادة تعريف لدور المرأة كمحرك رئيسي للنمو، وفاعل مؤثر في بناء اقتصاد متنوع قادر على المنافسة عالميًا.
أروقة البداية والنهاية
نسير بثبات نحو المستقبل عبر أروقة العمل الجاد والطموح الذي لا يعرف حدودًا..
نزرع الأثر ليبقى، ونستكشف الآفاق الواعدة لنكتشف فرصًا تعود بالنفع على الإنسانية جمعًا.
هنا، حيث يبدأ الأمل، ولا تنتهي المسيرة!
